إنَّ من علاماتِ ضعفِ الإيمان باللهِ واليومِ الآخر : الاستخفافَ بالذنوب والمعاصي ، والمجاهرةَ بها ، بل واستحلالَها أحياناً ، واعتبارَها شيئاً مألوفاً وسائغاً ولمَّا ابتعدَ المسلمون عن دينهم ، واستخفوا بشريعةِ ربهم ، انحسرتْ بركةُ الإسلامِ عن ديارهِم ، وسادت فيهم الأخلاقُ الدنيئة ، والخصالُ السيئة ، ومن أسوأ تلك الذنوب التي استمرأها كثيٌر من الناسِ وألفوها ، وجاهروا بها ، وهوَّنوا من شأنِها ، عادةُ الكذب ، ذلكَ الداءُ الوبيل الذي أصبحَ جزءاً لا يتجزأ من حياةِ الكثيرين ، يمارسهُ كبارُ القومِ وصغارُهم ، وشيبُهم و شبابُهم ، ورجالهُم ونساؤُهم ، وقـد ينظرُ البعضُ للكـذبِ بعينٍ واحدة و يحصرهُ في نطاقٍ ضيقٍ محدود ، ولو أمعن النظرَ وأعاد التأمل ، لعلم أنَّ الكذبَ أنواعٌ ودركا ت ، قال تعالى : (( ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ )) النور : 40 .
فمن الأكاذيبِ الخطيرةِ كذلك ، ترويجُ الشائعاتِ الباطلة التي تُحدثُ الأراجيف ، وتُخلخلُ الصفوف ، وتُعكرُ صفاءَ النفوس ، وعند البخاري - رحمه الله - في حديثِ الرؤيا الطويل ، وفيه قالَ عليه الصلاة ُوالسلام : (( فانطلقنا فأتينا رجلاً مستلقى على قفاه ، وإذا آخرُ قائمٌ عليه ، بكَلَوبٍ من حديد ، وإذا هو يأتي أحدَ شقيِ وجههِ ، فيشر شر شِدْقَه إلى قفَاه وعينَه إلى قفاه ، ثم يتحولُ إلى الجانبِ الآخر ، فيفعلُ به مثَلَ ما فَعَلَ بالجانبِ الأول ، فما يفرغُ من ذلك الجانب ، حتى يصَّح ذلك الجانبُ كما كان ، ثم يعودُ عليه فيفعلُ مثلَ ما فعَلَ المرةَ الأول )) 6 . ثم أوَّلَها - عليه السلام -، بأنَّه الرجل يغدو من بيته فيكذبُ الكذِبة تبلغُ الآفاق .
فليحذرْ الذين يروجون الشائعاتِ الباطلة ، ويمتهنون الدجل فإنَّ لهم أجلاً موعداً لن يخلفوه .
ومن الكذب الخطير كذلك : إلصاقُ التهمِ الباطلةِ بالأبرياء ، وإعظامُ الفِرية في حقهم ، واغتصابُ حقوقِ الناس ، وسلبُهم أموالَهم وممتلكاتِهم بالكذبِ والزورِ والبهتان ، ففي صحيح مسلم أنَّ أروى بنتَ أُويس ادعتْ على سعيدِ بنِ زيد أَحَدَ العشرةِ المبشرينَ بالجنة ، ادعتْ أنَّه أخذ شيئ من أرضِها ، وخاصمتهُ إلى مروانَ بنِ الحكم ، فقال سعيد : اللهم إنْ كانتْ كاذبةً ، فعمِّ بصرَها ، واقتلَها في أرضِها ، فما ماتت حتى ذَهَبَ بصرُها ، ثم بينَما هي تمشي في أرضها إذ وقعتْ في حفرةٍ فماتت .
ومن الكذبِ الذي عمَّ وطمَّ ، كذبُ الكثيرِ من وسائلِ الإعلام على مستوى العالمِ كله ، من نشرِ الأراجيف ، وبث الأخبارِ الكاذبة ، والحوادثِ المختلقة ، فهذه الإذاعةُ تؤكدُ النبأ ، وتلك إذاعةٌ تنفيه ، وذاك مسؤولٌ يُصرِّح ، وآخرُ يُفند وتلك الصحيفةُ تَكذبُ ، وأُخرى تَدخرُ كذبَها بكذبٍ آخر ، وأصبح الناسُ في حيرةٍ من أمرِهم لا يدرونَ من يُصدِّقون ، ولا بمن يثقون وأصبح مضربُ المثلِ عندَهم ، لا تهتمَ بهذا الكلام إنَّه كلامُ جرائد .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ )) التوبة : 119 .
فاتقوا الله يا منْ تظلمون الناس ، وتأكلونَ أموالهَم بطراً ، و أشراً ، و رئاء الناس .
و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم