السلام عليكم
بسم الله و الصلاة و السلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
يتعاقد الفتى والفتاة على عهد في
الحياة المشتركة وتشكيل الأسرة ، ويقرران ، تبعاً لذلك ، العيش معاً تحت
سقف واحد وأن يقف أحدهما إلى جانب الآخر إلى الأبد والسير سوية في الطريق
الذي انتخباه ، طريق الحياة الزوجية وتربية الجيل .
أن عهداً كهذا لا يمكن المحافظة عليه بيسر وسهولة ، ذلك أن الحياة
المشتركة تلزمها العديد من الضوابط والشروط التي لا يمكن بدونها الاستمرار
والدوام ، فالزواج يستلزم استعداداً مسبقاً من قبل الطرفين يجنبهما الوقوع
في المزالق ، ويستلزم كذلك يقظة كاملة في الشهور الأولى لكي يمكن إرساء
دعائم متينة للبناء الجديد . وهذا التأكيد يتضاعف في الأيام الأولى التي
تكون عادة أياماً قلقة متزلزلة ، فأقل خطأ يحصل سوف يلقي بظلالة القاتمة
في النفس ويشعرها بالمرارة . وأساساً فإن الزواج تحمل للمسؤولية ، إذ لا
يمكن ـ بأي حال من الأحوال ـ أن تستمر بعده حالة العزوبية من الشعور
بالتجرد وفراغ البالِ .
أسس الحياة المشتركة :
هناك ، فيما أعتقد ، أسس وضوابط ضرورية في الحياة المشتركة ، ينبغي على
الطرفين رعايتها واحترامها ، وإلا فإن العش الزوجي سيكون في معرض عاصفة
ثلجية وستمتد جذور الكراهية ، التي سرعان ما تؤدي إلى نشوب النزاع وبداية
النهاية . وفي هذا البحث محاولة لأن نستعرض ـ ببساطة ـ بعضاً منها :
1 ـ حسن المعاشرة :
الزواج بداية مرحلة جديدة من المعاشرة تنتهي في ظلالها عزلة الرجل
والمرأة ، ويبدأ عهد جديد من الألفة والأنس بينهما ؛ وعلى أثر ذلك يحصل
نوع من التقارب بين أفكار الزوجين ورؤاهما ، كذلك الأمر بالنسبة للأذواق
والخطط المستقبلية لحياتهما المشتركة .
من الضرورة بمكان أن يجلس الزوجان ، وبعد الانتهاء من عملهما إلى جانب
بعضهما البعض ساعة على الأقل يتحدثان خلالها عن ذكرياتهما الحلوة والمرة ،
وتداول مختلف المسائل والقضايا التي تهمهما معاً ؛ ذلك أن الصمت المطبق
يشبه في مساوئه الثرثرة في الحديث ولا يجلب معه سوى الألم .
فالأحاديث المتبادلة ، وإضافة إلى أنها تعزز من الألفة والأنس بين الزوجين ، تخفف من عقدهما وتحدّ من توقّعات كلّ منهما .
2 ـ الانسجام الفكري :
الرجل والمرأة يعضد أحدهما الآخر ويرافقه في رحلته من أجل أن يصل قارب
حياتهما إلى شاطىء السعادة ؛ وعلى هذا فإنه لا ينبغي عليهما السير في عكس
الاتجاه المنشود حتى لا تتعثر رحلتهما وتتقاذفهما الأمواج .
إن على الزوجين ، ومن أجل استمرار حياتهما في ظلال من الطمأنينة والأمن ،
أن يحاولا تطبيع فكريهما على أساس من النقاط المشتركة والأذواق المتماثلة
؛ وفي طريق ذلك تصبح الأمور طبيعية بشرط أن يدرك كل منهما الآخر .
والزوجان العاقلان الناضجان يعمل كل منهما على مساعدة الآخر ودعمه مادياً
ومعنوياً . وكثيرون هم الأفراد الذين أحرزوا نجاحات باهرة في الحياة بسبب
إستفادتهم من أزواجهم فكرياً ومن خلال استلهامهم سلوكاً وأفكاراً ورؤى
عايشوها وتأثروا بها .
3 ـ احترام الحقوق :
هناك حقوق وواجبات من وجهة نظر الإسلام تتعين في ظلال الحياة الزوجية ، وإن عدم رعايتها أو احترامها يوجب عقوبات محدّدة .
وفي ضوء أداء تلك الواجبات ورعاية تلك الحقوق تتوضح بواعث النزاع
والممارسات الخاطئة ، وتنشأ في ظلال ذلك حالة من الاستقرار مما يضمن
استمرار الحياة الزوجية .
ومن خلال هذه الحقوق ينمو الحب في القلوب والاحترام والإجلال والوفاء وأداء الواجب ، وغير ذلك من ضرورات الحياة المشتركة .
إن الإسلام لا يسمح أبداً بحسم الخلاف لصالح الطرف الأقوى أو يجعل له الحق في حل المسألة في ضوء ما يرغب .
إن الممارسات يجب أن تنطلق من اعتبارات إلهية محددة وأن لا تكون مدعاة للتشكيك في قداسة الأسرة .
4 ـ توزيع العمل :
من أجل استمرار الحياة الزوجية ينبغي تقسيم العمل ، بحيث لا ينوء أحدهما
تحت عبء ثقيل يعجز عن النهوض به . ومن الخطأ الكبير أن يلقى على عاتق
المرأة مسؤولية تربية الأولاد وإدارة البيت في حين يجلس الرجل فارغ البال
في زاوية من زوايا البيت . ومن الظلم أيضاً أن يلهث الرجل من الصباح إلى
المساء من أجل تأمين لقمة العيش في حين تجلس المرأة في المنزل ناعمة البال
.
ومن خلال سيرة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وسلم يتضح أن العمل داخل البيت
هو على عاتق المرأة ، بينما يبقى العمل خارج المنزل من واجبات الرجل ؛
وطبعاً فإن هذا لا يمنع الرجل إذا ما وجد فراغاً من مساعدة زوجته ولا يمنع
المرأة أيضاً إذا ما وجدت فرصة من المبادرة إلى التخفيف عن أعباء الرجل .
إن الهدف من تقسيم العمل هو تحقيق العدالة بين الطرفين .
5 ـ التأمين :
وعلى أساس ما ذكرنا يتضح على من يقع واجب التأمين الاقتصادي وعلى من تقع وظيفة تأمين الاستقرار والدفء في الأسرة .
نعم ، من الممكن أن تكون المرأة ثريّة أو تعمل في وظيفة معينة ، ولكن
الإسلام لم يوجب عليها الإنفاق على الرجل ، ذلك إن الإسلام أوجب على الرجل
القيام بهذه المهمة ، ومن حق المرأة أن يوفّر لها الرجل المسكن والملبس
والغذاء المناسب بل وعلى أساس بعض الروايات أن يرفّر لها قدراً معيناً من
وسائل الزينة .
ومن الطبيعي إذن ، أن تنهض المرأة بمهمتها تجاه الرجل حيث تتولى إدارة
المنزل وأن يكون تعاملها معه ودوداً ودافئاً يجعل الرجل يتلهف إلى العودة
إلى البيت بشوق ، وأن على المرأة واستجابة لغرائزها الطبيعية تربية
الأطفال وجعلهم مدعاة لإشاعة الفرحة والأمل داخل البيت .
6 ـ المداراة وضبط النفس :
يؤدي اختلاف المشارب والأذواق بين الزوجين إلى ظهور الاختلافات والنزاعات
بينهما ، وأن القول إن الحياة الزوجية لا تشهد نزاعاً أو تصادماً بين
الطرفين أمر خيالي بعيد عن الحقيقة ؛ ولكن المهم في مثل هكذا حالات هو
المداراة وضبط النفس .
إن الإسلام يوصي في حالة بروز نزاع عائلي أن يلجأ أحد الطرفين إلى الصمت
في سبيل الله وأن يغض الطرف عن أخطاء الطرف الآخر ، وأن يتعامل معه بما
يرضي الله ورسوله .
وما أكثر النزاعات التي تنشأ من حساسية المرأة أو غيرتها ولكن فطنة الرجل
ويقظته تعيد المياة إلى مجاريها فيخفت النزاع ويعم الاستقرار في محيط
الأسرة .
إن الحياة الزوجية ترافقها المشاكل ولا يمكن تحملها إلا بالصبر وضبط النفس
، وتفويت الفرصة على شيطان الغضب ، والتسامح ، وغض الطرف قليلاً عن أخطاء
الطرف الآخر . وهذا رسول الله قمة الخلق الإنساني يقول : « خيركم خيركم
لأهله ، وأنا خيركم لأهلي » .
إن من ينتخب لنفسه زوجة ينبغي عليه أن يحترمها .
اتمنى أن تعم الفائدة