"الوخز بالإبر" يفيد في تخفيف حالات الآلام المزمنة التي تسببها الالتهابات
مازال الغموض يكتنف عملية "الوخز بالابر" منذ ان قام الاطباء الصينيون بوخز مرضاهم بهذه الادوات الحادة منذ نحو 4000 عام, وتقاضوا منهم رسوماً مقابل المتعة التي تحققت لهم بالشفاء.
التفسير التقليدي للغز الوخز بالابر انه يعمل على تحسين تدفق ما يسمى ب¯"زو" في قنوات ومسارات غير مرئية للطاقة تسمى "ميريديان" لكن بحثاً جديداً نشر هذا الشهر يشير الى ايضاحات اقل غموضاً مما نسمعه من ادعاءات حول الوخز بالابر.
والاجابة وفق ما توصل اليه فريق من الباحثين في هذه الدراسة غير العادية التي قاموا فيها باعطاء جلسات وخز بالابر لفئران تقرحت اقدامها, وبعد كل جلسة (مدتها نصف ساعة) شعرت الفئران بألم اقل في اقدامها, وكانت الابر قد تسببت في اتلاف النسيج الذي يحفز الخلايا لانتاج الادينوسين وهي مادة كيميائية مضادة للالتهاب يصل مدى مفعولها الى ساعة بعد انتهاء العلاج.
يشمل الوخز بالابر في صورته العصرية ادخال ابرة رفيعة في الجلد في مناطق محددة من الجسم, وتدفع الابر لعدة سنتمترات قليلة ثم تسحن ويتم انتناؤها او حتى توصيل الكهرباء لها لتحدث الآثار الطبية المطلوبة.
ورغم انتشار الوخز بالابر حول العالم منذ ان ابتكره الصينيون, الا ان الطب الغربي التقليدي ظل متشككاً بشكل صارم في هذا العلاج, وعلى الرغم من وجود ادلة جيدة على ان الوخز بالابر يمكن ان يخفف الالم, فان الفوائد الصحية الاخرى التي يدعيها الوخز بالابر تستند الى اسس غير ثابتة.
لكن البحث الاخير يعطي الاطباء تفسيراً صحيحاً لكيفية تخفيف هذه الابر للألم لا تفاقمه, وهذا الاكتشاف يعارض تلك النظرة التي تمسك بها العلماء وهي ان اي تحسن يشعر به المريض بعد عملية الوخز ما هو الا تأثير دواء البلاسيبو (دواء شكلي زائف).
يقول مايكن ندرغارد عالم الاعصاب بجامعة روشتر (المركز الطبي) بولاية نيويورك وهو المشرف على هذه الدراسة: الحقيقة ان الرأي القائل بأن الوخز بالابر لا يعدو كونه احد اساليب دواء "البلاسيبو" اعاق الباحثين عن التعمق في هذه التقنية, واعتقد البعض ان العمل في هذا المجال هو بحث اجوف, لكنني اعتقد انهم مخطئون, وما يدهشني هو غطرسة بعض الزملاء, بينما يمكننا الاستفادة مما تعلمه الآخرون منذ آلاف السنين, انا اعتقد اننا قد اكتشفنا الآلية الرئيسية التي يخفف بها الوخز بالابر الالم فالادينوسين هو احد المركبات الفعالة والمضادة للالتهاب, ومعظم الآلام المزمنة سببها الالتهاب.
قام الباحثون بجعل قدم كل فأر متقرحة بحقن الفأر بمادة كيميائية تسبب الالتهاب, ونصف الفئران تفتقر الى الجين الذي يمكنها من صنع مستقبلات الادينوسين والموجودة في الاعصاب الرئيسية.
وتضمنت جلسة العلاج ادخال ابرة رفيعة في منطقة الوخز بالابر فوق الركبة لكل قدم متقرحة للفأر, وبالمحافظة على هذه الممارسة التقليدية كانت الابر تتحرك بشكل دوار خلال الجلسة التي تستغرق نصف ساعة.
وحتى يقيس الباحثون مدى فاعلية الوخز بالابر قاموا بتسجيل مدى سرعة انتزاع كل فأر لقدمه المتقرحة من فرشاة الورق المقوى وكلما كان الالم اشد كلما اسرع الفأر بجذب القدم منه.
وقد حقق الوخز بالابر تقليل الالم بنسبة الثلثين لدى الفئران الطبيعيين ولكن لم يكن لذلك تأثير على تخفيف الم الفئران التي ليس لها جين مستقبل للأدينوسين, فبدونها لا تستجيب الفئران للادينوسين الذي تطلقه الخلايا التي اتلفتها ابر الوخز.
والوخز بالابر ليس له اي تأثير على اي من مجموعات الفئران اذا لم يتم تدويرها ما يوحي بأن الانسجة يجب ان تتلف لكي يتم افراز الادينوسين.
ذكر يندرغارد ان التفاف الابر يبدو انه يسبب التلف الكافي لاطلاق الخلايا هذه المادة الكيميائية المخففة للألم, والت¯¯¯ي تلتقطها مستقبلات الادينوسين في الاعصاب القريبة التي تتفاعل من خلال اخماد الالم, وقد كشفت دراسات لاحقة على الفئران ان مستويات الادينوسين قد فاضت بمقدار 24 مرة في الانسجة حول ابر الوخز اثناء وعقب كل جلسة من جلسات العلاج.
احد الاسرار التي ظلت مستغلقة على الفهم وهي لماذا تخفف هذه التقنية الالم اذا ادخلت الابرة عند نقطة معينة, ويعتقد هنا نيدر غارد ان معظم نقاط الوخز هذه مسارات اساسية للاعصاب الرئيسية وكما هي الحال في اجزاء الجسم التي بها الكثير من مستقبلات الادينوسين.
في التجربة النهائية قام فريق نيدر غارد بحقن الفئران بدواء للسرطان جعل من الصعب ازالة الادينوسين من الانسجة وهذا الدواء يسمى يوكسي كوفورمايسين, ما يعزز تأثير الوخز بالابر بشكل دراماتيكي حيث استمر تخفيف الالم مضاعفاً بثلاث مرات.
ويقول نيدر غارد: "هناك اتجاه بين بعض الباحثين ان دراسة الطب البديل عفا عليها الزمن, لانها لم تحظ بالفهم الكامل, وظل الكثيرون متشككون".
تقول جوزيفين بريغز مدير المركز الوطني للطب التكميلي والطب البديل والمعاهد الوطنية بالولايات المتحدة: من الواضح ان الوخز بالابر قد ينشط عدداً من الميكانيزمات (الآليات).. وهذا البحث يعد مساهمة مثيرة لتزيد فهمنا حول هذا العلاج المعقد المسمى "الوخز بالابر".
